.post-outer { -webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}
أخبارتربوية
recent

الدكتورة ماجدولين النهيبي تكتب "أطفالنا لا يحبون النعوت"

الدكتورة ماجدولين النهيبي تكتب "أطفالنا لا يحبون النعوت"



أطفالنا لا يُحِبّون النعوت ...


"وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين". آية من أعظم نماذج التأصيل لعلم التربية من مصدر التشريع الإلهي، يخاطب الله فيها عبده الضعيف، ذي الخلقة الطينية فيناديه باسمه "يا آدم". الله جل وعلا فعال لما يريد، وكان من الممكن أن يناديه "يا عبدي"، أو "يا من خلقته من طين" أو أي نعت آخر، لكنه تعالى ناداه بالاسم، لا بالنعت، وهو أمر غاية في الأهمية لو أننا تعمقنا في أبعاده التربوية. بتسمية الله لآدم بدأت سنة كونية ربانية تقضي بأن لكل منا اسم، وهو نوع من تمليكنا حيزا في الزمان والمكان، وإشعار لنا بأننا نملك شيئا، وهو أمر يملأ النفس ويعزز الثقة.
لم نعد، في مجتمعاتنا الإسلامية، نلقي بالاً للتدبر في مثل هذه السنن الكونية الربانية التي هي في الحقيقة إشارات لو اتبعناها لربينا أبناءنا على الفطرة، ولما عانينا ما نعانيه معهم اليوم من الحيرة وسوء الفهم وقلة الحيلة ... فانطلاقا من الفعل الإلهي باستعمال الاسم في المناداة، مثلا، نفهم أنه لا يحق لنا أن ننادي أبناءنا إلا بأسمائهم، وأن لا نناديهم بالنعوت، أو الصفات، حتى وإن كانت واقعية، كالمناداة ب"يا قصير، ياطويل، يا غزير الشعر، الخ."، لأن ذلك يشكل خطوة سلبية في اتجاه سلبهم حقوق الامتلاك الفطرية التي أرادها لهم الباري جل وعلا. لا أظن أن أحدا ممن يملأون أسماعنا بالنصائح الدينية والتربوية انتبه إلى هذا الأمر...
"اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما"، الخطاب الإلهي لآدم يبدأ بالإتاحة والعطاء الواسعين، بلغة تنم عن الكرم والأريحية والجمال، هذا هو خطاب رب العزة لعبده الضئيل الذي خلقه من طين، خطاب يلخص كل معاني الفطرة التي فطر الله تعالى عليها النفس البشرية المــُحِبّة للمنح والعطاء... فكيف بنا نحن حينما نخاطب أطفالنا؟ بماذا نبدأ، هل بالإتاحة أم بالإباحة أم بالتكريه أم بالمنع؟ للأسف، غالبا وكثيرا ما نكرر على أسماعهم المنع والتحذير أكثر من تكرارنا للإتاحة والعطاء والمنح، وهو أمر تبين الآية الكريمة أنه يتناقض مع الفطرة التي فطر الله النفس عليها، هذه النفس التي كلما ناقضنا طبيعتها تمردت وجفت، بل ومرضت. وهذا من أسرار ركوب أكثر أطفالنا مركب العصيان والتمرد، وكأنهم يقولون لنا: أنتم لستم مرآة صافية تعكس فطرتنا السليمة...
"ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" هنا يأتي المنع، هذا المنع الذي نلاحظ أن حيزه أضيق بكثير من حيز المنح (جنة عرضها السماوات والأرض، في مقابل شجرة)، هذه هي سنة الله تعالى في مخلوقاته، أي توسيع باب العطاء لأنه من تجليات الرحمة التي كتبه الله جل وعلا على نفسه، وتقليص باب المنع والنهي، باعتبارهما من أبواب التربية الربانية التي يُمتحن بها العباد في مدى طاعتهم للمعبود.
أتى المنع بصيغة النهي، ثم التحذير من العاقبة، لكن بأسلوب قمة في الأدب، إذ ليس فيه انتقاص ولا احتقار لشأن المخاطَب، مع أن الله تعالى قدر في الأزل أن آدم مصيره الخطأ. كيف نحذر نحن أبناءنا، ألسنا ننهرهم، ونخوفهم، ونبالغ في رسم صور سوداء لترهيبهم من أن يقعوا في الخطأ؟ أليس هذه التصرف منا هو ما يربكهم ويسقطهم في التردد والخوف وفقدان الثقة؟ أين هي السنن الربانية في تربيتنا للأطفال؟ هذه السنن التي لا ينتبه الناس إليها اليوم...
وبعد أن أخطأ آدم خطأه الشنيع القبيح الذي ينم عن طمع النفس البشرية وجشعها ونهمها، كيف خاطبه رب العزة؟ "قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". لم ينعت آدم بأي نعت، لم يكرر عليه اللوم والتقريع، أتاه بالجزاء مباشرة. أما آدم، هذا الإنسان الذي رباه خالقه مباشرة فقد علِم بالفطرة أنه من باب التأدب طلب العفو والصفح، وأما الرب الغفور الكريم فقد غفر له، وأعد له مستقرا آخر هو الأرض بكل خيراتها وجمالها وبهائها، وأمره أن يعبده فيها حتى يلقاه فيعيده إلى جنة الخلد. هذه هي مراحل التربية الفطرية السليمة. كيف نتصرف نحن حين يقع أطفالنا في الخطأ؟ نلوم، نقرّع، نقذف بأقسى وأقبح النعوت، نعوت لا تغادر ذاكرتهم ولاضمائرهم فيُصَدِّقون أنها تَسِمُهم وتأخذ مكان أسمائهم، ثم إننا بعد ذلك نهدد ونعاقب ربما بأكثر مما يستحق الموقف، بل إن منا من لا يصفح ولا يسامح إلا بصعوبة...فكيف نشكو بعد هذا من عصيان الأبناء وجفائهم وتمردهم، بل وفشلهم في مواصلة حياة عادية بدون مشاكل متكررة؟ وما هي النصائح التي نسمعها؟ إما تمييع تام باتباع الغرب في كل شيء، أو تضييق وانتهاج للقسوة والأمر والنهي في جفاف وجفاء. لقد أصبحنا عاجزين عن بذل أي مجهود في الفهم والتدبر، وربما علينا الآن أن نتعلم من أطفالنا أمورا كثيرة، لأنهم يخاطبوننا بالفطرة...


منصة الديداكتيك-خالد

منصة الديداكتيك-خالد

هناك تعليق واحد:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.